البدايات The beginnings
تحليل أدبي لشخصيات الأولين (4)
أي صورة لله ؟
عصام الجوهري
كان الله الواحد بجوهره المتفاعل بشخوص أقانيمه ، غنياً عن كل ما عداه فهو يمجد ذاته بكل مجد الألوهية
فكان الآب قبل كون العالم يمجد ابنه الحبيب
وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ.
وكان الأبن يمجد الآب والروح القدس والروح القدس يمجد الإبن والأب
فلم يكن الخلق رغبة منه تبارك اسمه في إيجاد كائنات تعبده او تسبحه أو تنطق بمجده فهو في غنى عن الكل ، لم يكن هو المحتاج إلى عبودية أحد ولا إلى تمجيد احد لم يكن الخلق احتياجاً منه له المجد فهو الكامل وحده غير المحتاج الي سواه ..
فلماذا قرر أن يَخْلِق ؟؟
إذاً لِمَ آتي بكل الكائنات هذه إلى الحياة ؟
إنها المحبة والصلاح الذي هو نفسه الله
الله هو المحبة الكاملة وهو الصلاح الكامل غير المحدود
وكان لابد أن الحب الكائن بين أقانيمه يفيض ويسكب على مخلوقات يوجدها لتتمتع بهذا الحب وهذا الصلاح
لكي يكثر الذين ينالون من إحساناته
لم تكن الأنانية ولن تكون إحدى صفات الله لذلك قرر أن يمنح اهم ما يملك لآخرين المحبة والصلاح والحياة
فكان الخلق عملاً من أعمال نعمته ونبض محبته ورغبة منه في أن تتمتع مخلوقاته بتلك المحبة والصلاح
وهنا تنحل المعضلة
فمن يسير بعيداً عن المحبة والصلاح ويخرج من دائرة محبة الله باختيار نفسه ينال غضب الله ومحاسبته
إن الخلق عند الازلي العظيم قديم الأيام ليس أفعالاً سحريه يقوم بها كساحر يضرب بعصا فَيوجِد من العدم
لا ليس هكذا صنع الله في الكون
بل هو كشاعر و فنان يخلق الحياة ويبدع الجمال ، ينير كل ما يلمسه بالمجد والبهاء انه شاعر يخلق قصائده من داخله من نفسه
ثم جاء اليوم الموعود
يوم خلق القصيدة الاعظم
الانسان ذلك المخلوق الاعجب
إنه ليس كائناً خلقه الله كي يتمتع بالحب والصلاح كبقية الكائنات وحسب
لا
لا .. انه الإنسان
ذلك الكائن الذي كان في فكر الله منذ الأزل
انه ذلك الكائن الذي قرر الله أن يخلقه علي صورته و مثاله
فهل يُخْلق الإنسان علي صورة الله
اي صورة تلك التي لله
هل الله الغير محدود بمكان ولا زمان
اللاهوت الخالص ، الكائن الأسمي غير المحوي ، كيف له صورة اذا يخلق الإنسان عليها
نعم إن الله خلق الإنسان على صورة ذاته في حرية الإرادة
ولكن أليس الملائكة أيضا كذلك لقد اختار بعضهم بحرية إرادته تلك أن لا يعبد الله !
نعم لقد خلق الله الإنسان على صورة ذاته في البر والقداسة غير عارفٍ للشر ولكن أليس الملائكة أيضا كذلك ..
ويبقى السؤال الذي يجب أن نسأله :
هل إذا أراد الله يوما أن يكون له جسدٌ فأي صورة يختارها لنفسه ؟؟
أي صورة يكون عليها في تجسده ؟؟
أنها صورة الإنسان ..
فهل خلق الرب الإله الإنسان على الصورة التي أرادها لنفسه يوم يتجسد ..
إن سر هذا الشبه قد يكمن في تلك النفخة التي نفخها الله الازلي نفسه في أنف هذا المخلوق الإلهي العجيب وانفرد بها وحده دون سائر المخلوقات حيث مُنِح الإنسان الخلود الي الابد كمثال الله ذاته
فهو لم يخلق للفناء فليس من مخلوق سواه منح تلك النفخة الإلهية ليصير نفساً حية
لقد وضع الله الإنسان في تلك الصورة للواحد المثلث الأقانيم
فرغم كون الإنسان واحداً الأ أن له جسداً وروحاً ونفساً بشرية بينهم هذا الاتفاق في جوهر الإنسانية والتمايز في العمل
أليست تلك الصورة التي قال عنها الله :
نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا
فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ
وهكذا نفهم تلك العلاقة بين الخالق ومخلوقه الأسمي والأقرب
سفر يشوع بن سيراخ 17
خَلَقَ الرَّبُّ الإِنْسَانَ مِنَ الأَرْضِ،
وَإِلَيْهَا أَعَادَهُ.
جَعَلَ لَهُمْ وَقْتًا وَأَيَّامًا مَعْدُودَةً، وَأَتَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ مَا فِيهَا، وَأَلْبَسَهُمْ قُوَّةً بِحَسَبِ طَبِيعَتِهِمْ،
وَصَنَعَهُمْ عَلَى صُورَتِهِ.
وراح الرب الإله يهيئ ويعد للإنسان بيتاً واسعاً جداً زينه بكل شيء سيشتهيه هذا الإنسان أرض واسعة جدا تغطيها الخضرة
آلاف من الأشجار المزينة بأحلى الثمار
أربعة أنهار تجري بماء زلال رائع الطعم والمنظر
وألوف من الحيوانات المختلفة كلها تنتظر الخضوع لذلك المخلوق الذي سيوجد فيها و دعي الله هذا المكان ( جنة عدن )
كانت الجنة أفضل مكان وجد في الأرض في كل العصور
تستحق سكني الإنسان هذا المخلوق الإلهي المتفرد ،صورة الله في الأرض
فكيف خُلقَ الإنسان؟
وما هو عمله في الجنة ؟
وأية مهمة وكلت إليه
تلك التي غيرت مجري الحياة في الجنة ؟
وما علاقته بالله الخالق؟
عصام الجوهري
كاتب و روائي مصري
كاتب و روائي مصري
7/6/2020.
إرسال تعليق