البدايات The beginnings تحليل أدبي لشخصيات الأولين(9)
لن تموتا !!
عصام الجوهري
كان الكذاب وأبو الكذاب المختبئ في الحية الذي
مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ.
كان ينطق متحدياً الله :
لن تموتا ..
ومَرَّرَتْ حواء الكلمة ،لم تناقش ،ولم ترفض .
والحية تنظر إليها لقراءة تأثير كلامها ..
وحين رأت أن براءة حواء لم تتحول إلى غضب ، ولم توقفها بل راحت تستمع إلى بقية فحيح الكذب ..
وحواء التي لم تعرف ما هو الكذب لم تكتشف أن الحية ما سألت عن جهل بل عن خبث..
أكملت الحية الإبليسية خطتها وراحت تخاطب في المرأة شوقها للمعرفة ورغبتها في الكمال متهمة الأزلي القدوس بالكذب الصريح وسوء النية نحو آدم وحواء.
اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ
أي عيون تلك التي ستنفتح وهل عيونهما مغلقة إلا عن رؤية الشر والقبح .. إن أنصاف الحقائق التي يقدمها ابليس ما هي الا اكاذيب وقحة.
إن لله مصلحة من عدم أكلكما من هذه الثمرة الشهية .
راحت الحية تمسك ثمرة من الشجرة أمام حواء وتطلق آهات اعجاب بشكلها وملمسها وهي تقول :
كيف يمنعكما من هذه المتعة ؟ إن الله يعرف تماما أنكما يوم تأكلان منها ستصيران مثله .. لا تصدقي كلامه يا مولاتي ستصيران كالله عارفين الخير والشر
كانت تلك هي الضربة التي أوقعت إبليس نفسه قديماً ونجحت في تدميره
(أصير مثلي العلّي)
راح يجربها الآن مع حواء ثم آدم ويبدو أنها لا تخيب ..
(ستصيران مثل الله )
عارفين الخير والشر راحت حواء ترددخلفها :
الشر ؟ ما الشر أيتها الحية الصديقة؟
راحت الحية وقد الْتَفَّتْ بجسدها الرقيق اللامع حول ثمرة كبيرة من الشجرة تقول لحواء :
_ كُلى يا سيدتي لتعرفي ما هو الشر، كُلى لتكتشفى عن أي شيء يمنعك الله ..
إن عرش الإلوهية ينتظرك يا مولاتي أنتِ ورجلك .
سَكرتْ حواء بحلم أنها قد تصبح فى لحظات مثل الله ..لها نفس القدرات ، لها نفس المعرفة الكاملة التي له . سوف تعرف الشر هذا الشيء الذي لم تسمع به من قبل راحت حواء تنظر شكل ثمر الشجرة :
فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ
وهي تسأل نفسها:
_ كيف لم أرَها هكذا من قبل ؟
لقد طغى الجمال على الثمرة المحرمة لقد صار منظرها جذاباً جداً لعين حواء ومن يومها وأتقن إبليس اللعبة فالكل صار خليفة لآدم وحواء الكل يُخْدَع بالمظهر ، يُْلبِس لهم الشر الصافي بثوب بهىٍّ جميلٍ من الشهوة والرغبة التي قد تظهر خيراً والموت داخلها كفخٍ خفىّ ، إنه السم حين يُدَسُّ في العسل..
حواء رأت ..
وأخذت..
وأكلت...
وأعطت رجلها..
لم تسقط حواء في لحظة ولا دفعةٍ واحدة . لقد جاء سقوطها تدريجياً متوالياً وعلى مراحل وفي كل مرحلة كانت سيطرة الحية تزداد و تتمكن .
لقد رأت حواء الشجرة جيدةً للأكل عكس ما كان تراها من قبل . لقد هاجت شهوة الأكل داخلها ولم تستطع أن تُحَوِّل عينيها من على الثمر لحظة . لقد كانت بَهِجَة لعينها وشهية لنظرها.. هنا تمكنت الشهوة من حواء ..
و الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا.
فأخذت ..
لقد مدت يديها للمرة الأولى منذ يوم خلقت لكى تلمس تلك الثمرة التي حرم الله أكلها وحرمت هي لمسها ..
ما أحلي ملمسها!! ..وما أروع لونها!!
وقَرَّبتْ الثمرة من فمها في لحظة فارقة في تاريخ الأرض ..
أليس هناك من يمنعك يا حواء من تكملة تلك الخطوة !
يا لمأساة البشر من بعد تلك الحظة !
أكلت حواء وأغمضت عينيها من شدة اللذة وراحت تأخذ القطعة تلو القطعة وحين اكتملت اللذة في فمها تذكرت محبوبها رجلها آدم الحبيب وراحت تبحث عنه ممسكة بالثمرة في يدها وهي تنادي بصوتها العذب الذي يخلب قلبه وعقله:
_ آااادم ..آاادم أين أنت يا شريك الروح ؟
كان آدم الجالس وسط صراخ القردة يحاول تهدئتهم أنهم غاضبون لأن بعض النمور تضايقهم في وقت لعبهم بين الأشجار وآدم يضحك منهم ثم يأمر النمور بالابتعاد عنهم.
التفت آدم إلى صوت حواء وهو يقول لها أين كنت يا حواء لقد أرسلت من يبحث عنك ؟
فقالت له :
_سأخبرك بكل شيء ولكن انظر إلى هذا .
ما هذا يا حواء أي ثمرة تلك ؟ أنا لم أرَها من قبل .
بل رأيتها يا آدم ولم تهتم ..
إنهاالشجرة التي منعنا الله أن نأكل منها لئلا نموت .
وهنا رفع آدم صوته منزعجاً :
_ماذا ؟ هل هذه ثمرة شجرة المعرفة ؟
فراحت حواء تهدئ من روعه قائلة له:
_ اهدأ يا آدم يبدو أننا خُدِعْنا و أن الله يخشى أن نأكل منها حتى لا نصير مثله، يا آدم إن الله يغار منك ويخشي على سلطانه إن نحن أكلنا وعرفنا ما لا نعرفه أن نصير مثله .
_ماذا تقولين يا حواء سوف نموت ..سوف نموت ..
_من قال لك هذا يا ادم ؟
_الله بنفسه اخبرني !!
_ لن نموت يا آدم لقد اكلت أنا منها وما زلت حية أمامك .
وراحت تُقَرِّب الثمرة من فمها وتقطع وتمضغ وهو ينظر لها متعجباً وراحت تكمل كلامها :
بل إنني أشعر أنني أفضل وأسعد و ممتلئة بالفرح عن ذي قبل ..
أنت لا تعرف مما حرمك الله حين منعك عن هذه الشجرة ..
ألاَ تثق بي يا آدم ؟!
كان آدم الذي أُعطِىَ سلطاناً في الجنة ،
أول مخلوق من البشر والذي كان معلماً لحواء وملقناً الوصية لها
آدم الذي كان يجب عليه أن يصحح أخطاء إمرأته ويردها الى صوابها ويكون شفيعا لها عند الله
خارت قواه أمام نظرات حواء وكلماتها الناعمة وحين مدت له يدها قائلا:
_ تذوق يا آدم ،تذوقها من أجلي!!
مدَّ يده هو آخذاً من امرأته وهو يحلم مثلها بأن يصير عارفاً الخير والشر ،بأن يصير مثل الله ..
أكل أدم..
ليصرخ أول صرخة في تاريخ البشرية ،
صرخة الميلاد لمولود الشقاء
صرخات لم ينفع بعدها ندم ،
لينتهى عهد البراءة وتبدأ أسوأ لحظات حياتهما على الأرض .
فماذا حدث بعدما أكلا من الشجرة ؟
ماذا حدث بعد ما أعطت حواء لآدم فأكل كلاهما ؟
كيف وقفا في قاعة المحكمة متهمين عاريين أمام الله ؟
عصام الجوهري
كاتب و روائي مصري
15/6/2020
شكراً يا غالي
ردحذفربنا ينجح عملك دايما
إرسال تعليق