البدايات The beginnings
تحليل أدبي في حياة الأولين (2)
حربٌ في السماء
بقلم/ عصام الجوهري
لقد خلق الله الملائكة في اليوم الأول يوم خلق النور
وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ.
وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ
اذ هم كائنات نورانية ، خلقهم لمجده وليتمتعوا بحبه وأعطاهم ما لم يُعْطَ لغيرهم من المخلوقات فكللّهم بالمجد والبهاء ومنحهم قدرات فائقة ،،وطبيعة نورانية مميزة ،و حرية ارادة كحريته ،واختيار حر لعبادته، لم يربطهم بجسد لكي لا ينجذبوا إلي شهواتهم..
وكان لوسفير (هوسيفورس)
خَاتِمُ الْكَمَالِ، مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ الْجَمَالِ.
رمز الجمال في الملائكة يتلألأ بهاءً في وسطهم ،له سلطان وحُكْمٌ على جيوش من ملائكة السماء الذين لا يدنون من عرش الله بل ياخذون أوامرهم من قائدهم لوسفير العظيم
كانوا يخضعون له ويحبونه جداً ويرون انه أذكي وأجمل من في السماء
هو الرئيس الحاكم لهم المملوء بالحكمة ،
حين يمر في وسطهم تنحني الجباه وتنطلق صيحات الإعجاب بينهم تمجيداً لذلك الذي يتبختر بكل مجدٍ أمامهم
وراحوا يكيلون له المدح والتعظيم
وزادوا حتى صاروا يسجدون أمامه ويعظمونه تعظيم العبودية،
وقَبَلَ لوسفير الأمر بل وراح يطلبه معجباً بنفسه وبدأ يتكبر حتى على رؤساء الملائكة الآخرين وعلى السلاطين والعروش والسيادات وبدأت اصوات الاستنكار بينهم تتعالى ..
ماذا يفعل لوسفير وكيف يقبل سجود الصباوؤت له ؟
كيف ياخذ مجد القدوس لنفسه ؟
هل نسى من هو وما مركزه ؟
هل أعمي الكبرياء قلبه والغرور فكره ؟
وأدرك لوسفير أن الأمر قد بات خطيراً وأنه لابد من مواجهة الخالق الازلي ،وأن حرباً توشك أن تحدث في السماء
كان هذا تصور قلبه حين امتلأ بالكبرياء وتخطي حدود الحكمة الي جنون العظمة
كان القدوس الازلي ينتظر حتي يكمل لوسفير كأس آثامه ويسكر بخمر خطيته
و ادرك من كان مملوءً حكمة انه لا يستطيع أن يقرب من عرش الله بعد الآن
فجمع ملائكتهالسامعين أمره الخاضعين له وصار يسألهم بكبرياء لم ولن يحدث في السماء مرة أخرى :
فصرخ
: ألست أنا الأجمل ؟.. ألست انا الاقوي؟
فيصرخون بالإجابة :
_نعم المجد لك يا لوسفير
: ألست أنا الاعظم والمملوء بكل حكمة ومعرفة ؟؟
_نعم أنت هو كوكب الصبح المضيء
: ألست أنا القائم في الجبل المقدس وبين حجارة النار أتمشى
_نعم لك الطاعة والمجد يا لوسفير البهي
: من يتبعني اليوم ؟؟
فصرخ كثيرون جدا منهم :
_ نحن نتبعك أينما ذهبت وكيفما شئت
فراح يجهر كمجنون .. قارعاً طبول حربٍ غير كفء لها:
من اليوم أنا لوسفير
لي وحدي المجد والكرامة
ليس أعلى مني أحد ،
وليس فوقي كائنٌ من كان
أنا ساصعد فوق السموات
فيصرخون حوله :
لك المجد والسلطان لك المقدرة والعزة
:أنا أرفع كرسيّ فوق كواكب الله ..
فترتفع اصواتهم مسبحة :
_مستحق مستحق مستحق انت يا لوسفير
:أنا اجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال واحكم لكم وفيكم
_لك الحكم وعلينا الطاعة والخضوع
: أنا سأصعد فوق مرتفعات السحاب
_لك المجد ونحن عبيدك الصانعون ارادتك
وراح كمجنون يهذي ويردد بصوت عظيم تتبعه اصواتهم الممجدة :
أنا ساصير مثل العليّ
انا ساصير مثل العليّ
أنا ساصير مثل العليّ
فصارت جموع الملائكة الخاضعين له تردد بهتاف عظيم
انت هو المستحق الكرامة ، انت القادر وحدك ، نحن لك يا لوسفير جنودك الاوفياء
كان ذلك في اليوم الثاني للخليقة اذ خلق الله الجلد
وَدَعَا اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَانِيًا.
والعجيب ان الله لم ير ما حدث في هذا اليوم حسناً
وهنا يتدخل قديم الأيام ، صانع السماء والارض من له المجد والعظمة والمستحق وحده للسجود والعبادة ..
جاء صوته كصوت ملايين الأبواق حتى صُمّت اذان هؤلاء العصاة التابعين الذين باعوا انفسهم لمخلوق مثلهم ،فسقطوا جميعا على وجوههم وصار صوت الله الديان معاقباً:
يا لوسفير يا ابن الهلاك
فلتنحدر إلي الهاوية الي اسافل الجب
لقد أعطيت ما لم تحافظ عليه
فدعتك نفسك إلى العصيان والتمرد..
واشتهيت ما ليس لك ، لقد ارتفع قلبك لجمالك الذي زينتك به أنا، وكمالك الذي منحتك إياه كي تكون خادمي الاقرب ،فأردت أن تكون معبوداً عوضا عني
لقد قتلتك الأنا .. واسقطك كبرياؤك
فاخرج من السماء لتظل طاهرة
أنزل حيث مكانك هناك في هواء الأرض
حائرا بين الأرض والسماء
رئيساً لسلطان الهواء
رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، محكوم ليوم تلقي في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت
أنت وكل من تبعك من هولاء
الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ.
ونادي الله رئيس ملائكته العظيم الذي دعاه (مي خا إيل) اي ( من مثل الله )
يا ميخائيل ايها الواقف أمامي متكللاً بالطاعة والبهاء اجمع جنودك واطرد هذا المتمرد وكل جنوده التابعين له و احفظه ليوم يطرح في بحيرة النار الأبدية
وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ،
وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ وَلَمْ يَقْوَوْا،
فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي السَّمَاءِ.
فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ.
وهكذا انتهت حرب في السماء لتبدأ في الأرض حروب لا تنتهي ..
وأكمل الله خطته في الخلق وجاء إلى اللحظة التي اشتهاها منذ الأزل
فقد صنع الله لذته ، جاء إلى ما يحب ان يعمله.
فما هي اللذة الإلهية وكمال عمل الله ؟
وكيف ومتي صنعها ؟
عصام الجوهري
كاتب و روائي مصري
5/6/2020
إرسال تعليق